0



معضلة القطار تجربة فكرية قدمتهَا لنَا لأول مرة الفيلسوفة البريطانية فيليبا فوت
philippa foot  سنة 1967، وهي تجربة تهدف لاختبار الحس الأخلاقي عند الإنسان، والصيغة الأصلية هي كالتالي: يتجه قطار خارج عن السيطرة نحو خمسة أشخاص مربوطين إلى السكة الحديدية، وإن لم يتم إيقافه سيتسب في مصرعهم، لحسن الحظ أنك تقف بالقرب من محول يدوي تستطيع من خلاله تحويل مسار القطار، لكن يعترضك مشكل بسيط وهو تواجد شخص آخر مربوط على السكة الأخرى. وقد ظهرت فيمَا بعد الكثير من النسخ كأن يكون هذا الشخص هو والدك أو حبيبتك أو أن يكون الأشخاص الخمسة مجموعة من المجرمين. لكن دعنَا نلتزم بنسخَة فيليبا فوت... ماذا ستفعل هل ستغير مسار القطار مضحيا بشخص واحد لتنقذ خمسة أشخاص أو ستترك الحال على ما هو عليه؟

معضلة القطار  trolley problem

أغلب من أجابوا عن هذا الإختبار، وقد بلغت النسبة 90 في المئة تقريبًا، اختاروا تحويل مسار القطار، ففي النهاية خمسة أفضل من واحد، أليس كذلك؟


هذا الموقف ينطوي ضمن ما يسمى بالفلسفة النفعية، وهي فلسفة ترى أن هدفنا يجب أن يكون تحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة لأكبر عدد من الناس، والمنفعة هي كل ما يحقق الخير والسعادة، المذهب النفعي إذن يهتم بالنتائج لا بالفعل، وبالتالي لا يمكن الحكم على الفعل بكونه خيرا أو شرا بمعزل عن نتائجه كما يرى كانط مثلا ... عمومًا هذه مجرد لمحة بسيطة عن هذا المذهب.

وقد شكلت مبادئ الفلسفة النفعية أساسا للكثير من القرارات الخطيرة عبر التاريخ، ولهذا نقول أن "معضلة القطار" تتجاوز كونهَا مجرد تجربة فكرية، بل توجد الكثير من المواقف المشابهة لها والتي تتكرر في الواقع، مثلا الهجوم النووي الذي أمر به الرئيس الأمريكي هاري ترومان على اليابان والذي ماتت بسببه أكثر من 200000 نسمة وقد كان أحد المبررات التي قدمها الرئيس أنه سينقذ حياة 500000 أمريكي (رغم أن العدد مبالغ فيه بشدة)، توجد أيضا قضية شهيرة للقبطان طوم دودلي التي وقعت سنة 1884 حيث كان هو ووفريقه ضائعين وسط البحر وفي انتظار الإنقاذ قرر قتل شاب مريض  وأكله في انتظار قدوم الإنقاذ وذلك على أساس أنه سيموت في كل الأحوال، للأسف بعد أن تم إنقاذه حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر.

دعونا نرجع للتجارب الفكرية ونتأمل نسخة أخرى من معضلة القطار، وهي نسخة الفيلسوف جوديث جارفيس توماسون judith jarvis thomason، في ه\ه التجربة الوضع يبقى على ما هو عليه، قطار يتجه نحو خمسة أشخاص، لكن عوض ان تتواجد قرب المحول اليدوي، أنت الآن تتواجد على جسر فوق السكة الحديدية، فكرت في إلقاء نفسك أمام القطار لإيقافه لكن وزنك خفيف جدا لسوء الحظ، ولكن يوجد قربك شخص ضخم الجثة إن قمت بإلقئه أمام القطار فسوف يوقفه، السؤال المطروح الآن: هل ستضحي بهذا الشخص لإنقاذ الخمسة الآخرين؟

الغريب فالأمر هو أن الجواب ديال الأغلبية كان هو : لا (النسبة اللي رفضات دفع الشخص السمين كانت تقريبا 90% عاوتاني ) إذن كيفاش نفسرو هاد القضية ؟ الى جيتي تحسب غادي تلقى أن النتيجة هي نفسها غادي تضحي بواحد وتنقذ خمسة فالتجارب بجوج !


الغريب في الأمر أن جواب الأغلبية هذه المرة كان بالرفض، وقد كانت نسبة من رفض دفع الرجل هي 90% في المئة تقريبا، إن تأملنا الوضع سنجد أن الحسابات لا تختلف عما كانت عليه في التجربة الأولى، دائمًا لدينا شخص مقابل خمسَة فلماذا لم يتبع هؤلاء نفس المنطق ويختاروا التضحية بفرد مقابل خمسة؟

هذه النتيجة لا تنحصر في الدول الغربية فقط أو في ثقافة بعينها، حيث قام مارك هاوسر من جامعة هارفرد بوضع عدد من المعضلات على موقع سماه تجربة الحس الأخلاقي http://www.moralsensetest.com/، تجدون رابط الموقع في أسفل الفيديو حيث وفر المعضلات بالإنجليزية، الإسبانية والصينية وغيرها وكانت النتائج هي نفسها بغض النظر عن اختلاف الجنسيات والأديان والأعمار، وبالمناسبة فقد عرضت المعضلة على مجموعَة من الأصدقاء وكانت النتيجَة هي نفسهَا أيضا، فكيف يمكن أن نفسر هذا الإختلاف الواضح في ردود الفعل، لماذا لم يواصل هؤلاء تبني الفلسفة النفعية؟

قام جوشوا غرين Joshua Greene  بأبحاث حول المعضلة، بما في ذلك التصوير بالرنين المغناطيسي، ووجد أن المعضلات التي تتضمن احتكاكا مباشرا مع الضحية تؤدي إلى تفعيل مراكز المخ المسؤولة عن العواطف، أما حين تكون الضحية بعيدَة كما هو الحال في التجربة الفكرية الأولى فنادرا ما يتم تفعيل تلك المراكز... فخلص إلى نتيجَة مفادهَا أن دماغنا لم يتطور بعد ليستوعب أن الأعتداء القريب والبعيد هما نفس الشيء.

دعونا نفهم لماذا، خلال الجزء الأكبر من التطور الذي عرفه الإنسان كان يعيش في جماعات صغيرة وكان الإعتداء على الغير يتم غالبا بشكل جسدي ومن مسافة قريبة الضرب، العض، الخنق، استعمال العصي..- ولهذا السبب تطورت لدينا ردود فعل عاطفية قوية عندما يتعلق الامر بعنف شخصي أو جسدي – حالة الرجل السمين – ولكن استعمال الآلات لم يظهر إلا مؤخرا بالتالي لم يخلف بعد بصمته في تطور الدماغ البشري ولهذا لم يظهر الناس نفس الإستجابة ورأى معظمهم أن تحويل مسار القطار بتحريك قطعة حديدية أمر عادي مبررين ذلك بمنطق أن 5 أكثر وبالتالي أفضل من 1.

ماذا نستخلص من كل هذا؟ نستخلص أنه إن أردنا أن نكون موضوعيين لا يجب أن نتبع حسنا الإخلاقي، بل يجب أن نشكك فيه ونأخذ الوقت الكافي للتفكير قبل إصدار أي حكم، فللدماغ قوانينه التي لا يعلمها العقل .


هذا هو بحث  جوشوا غرين واسمه "حل معضلة القطار" لمن يرغب في تحميله.

Enregistrer un commentaire

الإبتسامات
:) :)) ;(( :-) =)) ;( ;-( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ $-) (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer
إظغط لرؤية الكود !
افصل بين الاكواد بفراغ .

 
Top