كثيرا ما نسمع أن
الفلسفة مجرد لغو وكلام معقد لا فائدة منه، أو أنها تثير الشكوك وتودي بمن يشتغل
بها إلى الجحود والإلحاد، فما هي حقيقة الفلسفة وما معناها؟ ما علاقتها بباقي
مجالات الفكر، العلم، الدين، السياسة، الأخلاق والفن؟
في هذا الكتاب، مشكلة
الفلسفة، ستجد جوابا شافيا عن هذين السؤالين، وغيرهما من الأسئلة التي ترتبط
بالفلسفة والمشكلات التي تثيرها... حيث يتطرق الكاتب في أول فصل إلى "تطور
التفكير الفلسفي" حيث تناول مسألة أصول الفكر الفلسفي وهل هو صنيعة يونانية
محضة، ويخلص إلى أن " التَّفكِير الفَلسَفِي ظَاهِرَة بَشرِيةٌ مشَاعَة"[20]،
وأنها مرتبطة بالإنسان منذ صار قادرا على التفكير، وفي هذا يشير إلى دلالة الفلسفة
عند اليونان، حيث كان لها معنى عام يشمل كل معرفة لا تهدف لبلوغ منافع عملية أو
مادية، كما تشير إلى حب المعرفة والإستطلاع بشكل عام، ثم يتجول في تاريخ الفلسفة
انطلاقا من الفلاسفة الطبيعيين، فيتاغورس، سقراط، أفلاطون، أرسطو، الرواقية،
مرورًا بفلسفة العصر الوسيطي (مسيحية وإسلامية) وصولا إلى الفلسفة الحديثة
والمعاصرة، وكل هذا التطور يدل على حيوية الفكر البشري وارتباطه بهموم الإنسان. ثم
يتناول في الفصل الثاني "معاني الفلسفة" ليعرض ويناقش مختلف المعاني
التي قد تحملها كلمة "فلسفة" فالفلسفة عند البعض هي فن العيش أو حكمة
الحياة، وعند البعض الآخر الفلسفة هي " تِلكَ العَمَليّةُ التّسَاؤُلِيةُ الّتِي
نُحَاوِرُ فِيهَا أَنْفسَنَا، وَنَتَجَادلُ فِيهَا مَع العَالَم وَالآخَرِين"[38]،
ويرى موقف ثالث أن الفلسفة هي نظام خاص أو نسق معين من الإعتقاد، حيث أن الإنسان
لا يستطيع أن يحيا على الشك المطلق أو الإنكار التام فلابد له من اعتقاد معين،
إعتقاد يبرره ببراهين تدل على صحته في نظره، وقد رآى آخرون أن الفلسفة "نَظْرَةٌ
كُلِّية لِلإشْيَاء" وانتهى غيرهم إلى أنها مجرد "نَقْدٍ لِلْفِكر"...
ولكل ذلك يمكن القول مع روني لوسين أن "الفَلْسَفَة طِفْلٌ هَمَجِيٌّ: فَهِيَ
تَضِيقُ ذَرْعًا بِكُلِّ تَقْيِيد، وَتَنْفرُ مِن كُلِّ تَحْدِيد"[57]، ومن
خلال تتبع تطور الفكر الفلسفي وملاحظة تنوع معاني الفلسفة يستنتج الكاتب أن
"الفَلْسَفَة الحَقَّة إِنَّمَا هِيَ تِلكَ التِي لَا تَكُفًّ عَنْ التّفَتُّح
لِكُل مَا مِن شَأنِه أَنْ يُضْفِي عَلَيْهَا عُمْقًا، وَيُكْسِبَها دِقّة، وَيَزِيدَهَا
ثَرَاءً" وفي ذلك دليل على حيوية الفكر الفلسفي وارتباطه بالإنسان. أما في الفصل الرابع فيعرف بخصائص الروح
الفلسفية مشيرا إلى أن أهمها "رُوحُ البَحْث المُسْتَمِر، وَالحُرِّيَة الفِكرِيَّة،
وَالتَّسَامُح العَقْلِي، وَالرَّغْبَة الدَّائِمَة فِي الحِوَار مَعَ الآخَرِين"
[82] فلا فلسفة بدون حوار وتبادل.
في الفصول الأخرى يتناول
الكاتب علاقة الفلسفة بموضوعات أخرى، أولها الإنسان حيث يبين الكاتب كيف أن
الفلسفة " لَا يُمْكِن أَنْ تَكُونَ بْيُولُوجِية، أَوْ سَيْكُولُوجِيةً، أَو
اجْتِمَاعِيةً، وَإِنَّمَا هِي أَولاً وَبالذَّات أُنْثْرُوبُّولُوجِيَّة، بِمَعْنَى
أَنّهَا بَحْثٌ فِي الإنْسَان، وَالمَعْنَى وَالمَصِير، أَو عَلَى الأَصَحّ مَعْرِفَة
لِلوُجُود الإنْسَانِي وَمِن خِلاَل الإنْسَان" [65] فالفلسفة تعلمنا كيف أن الإنسان يستعصي على
الحصر في نظريات نفسية أو بيولوجية اختزالية، فالإنسان سيظل سؤالا مستمرا بالنسبة
إلى نفسه، فهو في جوهره أكثر مما يمكن أن يعرفه عن نفسه ! هذا
وقد أشرنا إلى أن التفلسف مرتبط بالإنسان، فهو الكائن الوحيد الذي يعي ذاته، ويدرك
ما في الوجود من قلق وسأم وجزع و شر أخلاقي وخوف من الموت ... ثم يحدثنا عن علاقة
الفلسفة بالعلم، وذلك بتعريف العلم أولا ثم بيان العلاقة التي تربطه بالفلسفة،
والمهم هو أن "كُلا مِنَ العِلْم وَالفَلسَفَة هُمَا فِي الأَصْل نَظَرٌ Spéculation يقْصَد
مِنهُمَا المَعْرِفَة للمعرفة" [105]، لكن الفرق بين
الإثنين هو أن الفلسفة أنثروبولوجية كما سبقت الإشارة فهي ترى العالم من وجهة نظر
الإنسان في حين أن العلم يرى العالم بمعزل عن الإنسان، ثم ينتقل بنا إلى عالم الفن
وعلاقته بالفلسفة، فالشعراء والأدباء يعبرون عن كوامن الذات الإنسانية ويحسنون تصوير
ما يجول في دواخلنا ويدركون ما في الفرد من كونية وشمولية، لذلك لا يجد الكاتب
حرجا في القول أن "بلزاك وستندال ودوستويفسكي وبروست ومالرو وكافكا وغيرهم
روائيون فلاسفة"[127] وقد كانت روايات سارتر خير معبر عن تلك العلاقة الوطيدة
بين الفلسفة والأدب خصوصا أن وجودية سارتر كانت تؤكد على خصوصية التجربة الفردية
وما لها من طابع جزئي وزماني... وكما أشرت في أول فقرة سيتطرق الكاتب لعلاقة
الفلسفة بكل من الدين، الأخلاق، السياسة، الأيديولوجيا وتاريخ الفلسفة ويذيل
الكتاب بموضوعات جميلة وقيمة هي "بين الميتافيزيقا والشعر"،
"الرواية الوجودية"، "التفكير الفلسفي في عهد الثورة" وأخيرا
"دور الفلسفة في مجتمعنا المعاصر" حيث يؤكد على ضرورة العمل من أجل
تصحيح الفهم الخاطئ للفلسفة، وحاجتنا لفكر عقلاني أصيل، وكذا ضرورة اعتماد تفكير
منهجي متحرر من الآراء المسبقة والأفكار الجاهزة، يراعي التسلسل المنطقي في تنظيم
الأفكار ويلتزم بقواعد البحث العلمي ... عموما لن أطيل وأترك لكم مجالا لاكتشاف
باقي الأفكار الواردة بالكتاب وهي كثيرة ودقيقة، حيث أنك لن تتعرف على
الفلسفة فقط لكن من خلال الكتاب ستتعرف أكثر على باقي المواضيع التي يناقشها
المؤلف (الدين، العلم والسياسة ...)، كما أن الكتاب بسيط في لغته وأسلوبه وواضح في
عرضه للأفكار ...
لتحميل الكتاب إضغط على زر التحميل
Enregistrer un commentaire